بعد انتخابات المجلس التشريعي الثاني عام 2006، وقيام الرئيس محمود عباس في حينه بتكليف رأس قائمة "حماس" البرلمانية الفائزة بأغلبية مقاعد المجلس بتشكيل الحكومة، لفت انتباهي أن إسماعيل هنية المكلف تشكيل الحكومة العاشرة، أخذ وقته كاملاً وهو مدة شهرين في تشكيل تلك الحكومة، ثم أن حكومته خلت من أي تحالفات مع أي قائمة أخرى أو فصيل آخر، بما في ذلك قائمة الجبهة الشعبية، التي صوتت، وهي في المعارضة لحكومة "حماس" باعتبارها حكومة ممانعة في حينه، وهي أيضا التي لم تصوت لأي حكومة سابقة ولا حتى لاحقة، بما في ذلك حكومة الوحدة الوطنية، التي تلت اتفاق مكة في آذار من العام 2007.
واستمرت "حماس" على هذا الحال، حتى بعد أن أقدمت على ارتكاب الجريمة البشعة بحق الوطن، والمتمثلة في الانقلاب العسكري في حزيران 2007، وهي المحتاجة حينها جداً، لأي أحد يقف معها في ذلك الوقت، ويبرر ما فعلته، بمن في ذلك خالد أبو هلال، تابعها المنشق عن "فتح" إلا أنها لم تفعل، ولم تشرك أحداً في إدارة الحكم، حتى الآن، ولا حتى فيما تسميه منذ اتفاق الشاطئ باللجنة الحكومية، وهي عملياً حكومة الانقلاب في قطاع غزة.
الشأن ذاته لوحظ حين حكم أخوان مصر ما بين العامين 2012_2013، حيث لم يشركوا أحداً معهم في التشكيل الحكومي رغم أنهم سيطروا على مؤسسة الرئاسة التي تتحكم بشكل تام في الحكومة، لم يشركوا لا حزب النور السلفي، شريكهم الأصغر في البرلمان، ولا مستقلين، ولا أحد آخر من خارج دائرة الانتماء الحزبي للإخوان المسلمين.
ولعل واحدة من أهم تجارب الإخوان العرب في الحكم هي التجربة التونسية، لأكثر من سبب، منها الربيع العربي، الذي سار على طريق إسقاط أنظمة حكم الفرد المستبد، وفتح الباب لأنظمة حكم الإخوان، باعتبار أنهم اكبر مجموعة حزبية خارج إطار أنظمة الحكم السابقة، بعد أن تراجع تأثير الأحزاب اليسارية بكل تلاوينها، وحيث لم تظهر بعد قوة الأحزاب الليبرالية أو الديمقراطية، كذلك منها أن حزب النهضة الإخواني في تونس، هو أكثر أحزاب الإخوان اعتدالاً وعقلانية، وذلك ليس لسبب تكويني خاص به، بل بسبب التراث الليبرالي، على الصعيد الاجتماعي الذي أرسته حقبة الحبيب بورقيبة منذ الاستقلال.
لذا كانت تجربة النهضة أقل سفوراً من تجربتي إخوان فلسطين وإخوان مصر، فهم أشركوا آخرين في الحكومة، لكنهم وهم الذين ظفروا أولاً برئاسة الدولة عبر المنصف المرزوقي، أول رئيس لتونس بعد سقوط نظام الفرد المستبد زين العابدين بن علي، عجزوا عن العمل وفق نظام الشراكة في الحكم، مع الرئيس الشعبي المستقل، قيس سعيّد، وهو ليس سلفه باجي قايد السبسي، الذي هزم "النهضة" في معركة الرئاسة سابقاً، ومن ثم توفي وكان قد وصل لسدة الرئاسة عبر قيادته للتجمع الحزبي "نداء تونس"، وبذلك فإن "النهضة" التونسي، وإن كان استثناء بدرجة ما فهو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، وهي أن الإخوان غير قابلين للشراكة السياسية مع أي أحد.
السؤال هنا هو: لماذا؟ يبدو أن الإجابة ليس لها سوى ممر إجباري وحيد، وهو أن الإخوان يذهبون للحكم ببرنامج أيديولوجي، وليس ببرنامج خدمات أو برنامج سياسي حتى، قابل للتعديل والتطوير حسب التحالفات أو التغيرات في الواقع، أو حتى حسب القانون العام المتمثل بالدستور ومجموعة القوانين الخاصة بالانتخابات أو بإدارة البلد والمجتمع.
من هذه الزاوية لا يمكن وصف الإخوان وهم في الحكم، أو يسعون إليه إلا بكونهم حزباً شمولياً، يسعى للحكم، من أجل تغيير كل أركانه وفق عقيدتهم، وليس العكس، لذا فهم ما أن يصلوا إلى الحكم حتى يصطدموا بما يسمونه هم بالدولة العميقة، والمشكلة التي تكمن فيهم، وهي أنهم يعتقدون أنه بمجرد الوصول إلى سدة الرئاسة والحكم، فإنه يمكنهم أن يقوموا فوراً بإرساء دعائم دولة أخرى، غير تلك التي تنافسوا على قيادتها.
فعلوا ذلك مع السلطة الفلسطينية، فهم ورغم أنهم دخلوا المعترك الانتخابي وفق قوانين السلطة، إلا أنهم بمجرد جلوسهم على كرسي الحكم، سارعوا إلى محاولة تغيير نظام السلطة العام، فاصطدموا بوجود رئيس له صلاحيات واسعة، لا يخضع لإرادتهم، فآثروا التفرد بقطاع غزة، على الشراكة في حكم كل الوطن الفلسطيني.
وفي مصر اصطدموا بمؤسسة الجيش وهي المؤسسة الأهم منذ استقلال مصر الحقيقي بثورة 52، وظن رئيسهم محمد مرسي في حينه أنه بإقالته لكل من المشير حسين طنطاوي وسامي عنان، قد سيطر على الجيش، ولم يفكر بضرورة التعايش مع تلك المؤسسة الوطنية، ولا حتى مع دستور البلاد، وكانت النتيجة أن خرج الشعب المصري مع مؤسسته الأهم من أجل إقصائهم عن الحكم، حتى لا يستفحل خطرهم ليهدد الدولة بأسرها.
في الحقيقة أن منطق التفرد، وهو منطق شمولي بالأساس، سارعت على طريقه الأحزاب الأيديولوجية، الشيوعية والقومية، أيام النظام الاشتراكي، وكذلك في ألمانيا النازية وايطاليا الفاشية، وحتى عراق وسورية البعث، تسير عليه الأحزاب الإسلامية حالياً، وبالتحديد أحزاب الإخوان المسلمين، ولم يشذ عن هذا الحزب الحاكم في تركيا، رغم أن تركيا دولة إسلامية معتدلة منذ أن دخلت بلاد الشام وحكامها البيزنطيون/ الأتراك في الإسلام، ذلك أن رجب طيب اردوغان، بعد أن كرس بقاء حزبه في الحكم، سارع إلى التعديل الدستوري الذي ينقل البلاد عبره من نظام الحكم البرلماني لنظام الحكم الرئاسي، بعد أن فاز هو شخصياً بمنصب الرئيس، وذلك ليقطع الطريق سلفاً على أي حزب آخر أو ائتلاف أحزاب ينجح في الفوز على حزب العدالة والتنمية، وبالتالي تشكيل حكومة ليست من الإسلاميين.
وهذا يؤكد بأن الإسلاميين وفي مقدمتهم الإخوان، ما أن يصلوا للحكم حتى يسعوا لتغير النظام، بدلاً من أن يغيروا من عقيدتهم السياسية المتفردة والشمولية، لتتوافق هي مع المجتمع والدولة، وهذا في حقيقة الأمر يذهب باتجاه إقامة دولة مستبدة، كما فعلت "داعش" وكما فعلت "طالبان" و"القاعدة" من قبلها، ولكن بدرجة أقل سفوراً في النموذج الإخواني، والفارق في الدرجة ما دام لا يغير من جوهر الأمر كثيراً، لا يغير من طبيعة الأشياء، لكن هذا المسار محكوم بالفشل لأن العالم كله صار في زمن آخر لا يقبل فيه التعايش مع أنظمة حكم الاستبداد الشمولي كما في إيران أيضاً.