رغم أنّ القيادة السياسية الأمنية في إسرائيل لا تزال تشكك في الأنباء المتداولة حول ما قيل عن متغيّر جديد فيما يتعلّق بسياسة الصمت التي تتبناها روسيا، حول استمرار الاحتلال الإسرائيلي في استهداف مواقع أمنية ومدنية وبحثية في سورية، إلا أنّ بعض التحولات على هذا الصعيد يمكن أن تزيل هذه الشكوك، فمن الملاحظ أولاً أنّ عدد الهجمات الإسرائيلية على سورية قد تراجع في الأسابيع الأخيرة بشكل واضح، أمّا الملاحظة الثانية فتتعلق بنجاح الدفاعات السورية في التصدي لكل الصواريخ الإسرائيلية التي لم تتمكن من الوصول إلى هدفها للمرة الأولى، وكذلك وللمرة الأولى أيضاً تعلّق وزارة الدفاع الروسية في بيانين منفصلين بالتوازي مع إعلان المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سورية من خلال ثلاثة بيانات، أنّ الجيش السوري تمكّن باستخدام التكنولوجيا الروسية من صد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة.

ما يجعل هذه الملاحظات تكتسب أهمية إضافية، ما نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» مؤخراً، من أنّ هذا التغيير في الموقف الروسي جاء إثر القمة الروسية – الأميركية في جنيف، حيث تلقى بوتين إيضاحاً من الرئيس بايدن بأنّ واشنطن لم تعد تتفهم استمرار الهجمات الإسرائيلية على سورية. وبحسب الصحيفة، فإن الأخير شدد النبرة إزاء هذه الهجمات في إيحاء مباشر بأنّ واشنطن تتفق مع موسكو على ضرورة وقف أو على الأقل تقليص هذه الهجمات، وفي الوقت نفسه جاء تأكيد إسرائيلي عبر صحيفة «إسرائيل اليوم» أنّ مصدراً كبيراً مقرّباً من وزارة الحرب الإسرائيلية قال: إن موسكو تعمل مؤخراً على تغيير قواعد اللعب في سورية لتقليص هجمات إسرائيل على المناطق الخاضعة للحكومة السورية، وربما إغلاق الحدود السورية تماماً أمام الطلعات الجوية الإسرائيلية سواء من الأجواء اللبنانية أو الأجواء السورية.

إذا صحت هذه الإشارات بدعم ما يمكن أن يشكل تحولاً مهماً في الموقف الروسي من الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، فلماذا هذا المتغير بهذا الوقت بالذات؟ قد يقال: إنّ موسكو التي كانت طوال الفترة الماضية تعقد علاقات وطيدة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق نتنياهو قد تغافلت عن هذه الهجمات لحساباتٍ سابقة، لكنها الآن وبعد التمديد للأسد في رئاسة سورية، فإنها تريد أن ترسل رسالة إلى إسرائيل بأن الحرب هناك قد انتهت بانتصار الحكومة السورية على قوى المعارضة في وقت تشهد المنطقة والعالم قيادات جديدة، خاصة أن هناك إدارة جديدة في واشنطن وأخرى جديدة في إسرائيل، الأمر الذي يدفع موسكو إلى إعادة تقييم سياستها للتعامل مع هذا الجديد.

ليس من الواضح، حسب المصادر الإعلامية الإسرائيلية، فيما إذا كان الجيش السوري قد استخدم منظومة صواريخ S-300 بعد تفعيلها من قبل خبراء روس بالتعاون مع الضباط السوريين، ما أدى إلى إسقاط الصواريخ الإسرائيلية قبل وصولها إلى أهدافها، إلا أنّه من الواضح الآن أن هناك تراجعاً في الهجمات الإسرائيلية، وأن هذه الهجمات حتى بعد تقليصها لم تصل إلى أهدافها، خلافاً لما كان الأمر عليه قبل هذه المتغيرات.

مصادر وزارة الدفاع الروسية ألمحت إلى أنّ الدفاعات السورية التي أسقطت كل الصواريخ الإسرائيلية اعتمدت على منظومتَي الدفاع الجوي الروسيتين «بنك سير وبوك»، ما يعني من قبل بعض المحللين أنّ قواعد اللعب الجديدة تستهدف فيما تستهدف تأكيد قدرة السلاح الروسي المتطور للهجمات من قبل أسلحة متطورة، بالتوازي مع إشارات واضحة من أنّ إمكانية إغلاق الحدود السورية أمام مثل هذه الهجمات بشكل تام ونهائي تنتظر قراراً سياسياً حاسماً من قبل موسكو.