لقد كان واضحًا أنه لا يمكن احتواء الإرادة الشعبية لاستعادة الوحدة الوطنية التي بلغت ذروتها في هبّة القدس والشيخ جرّاح، وهي ذات الإرادة الشعبية التي تجسدت بطريقة غير مسبوقة لدى الأغلبية الساحقة لتجمعات الشعب الفلسطيني في كافة أرجاء الوطن، وفي بلدان الشتات خلال حرب آيّار الأخيرة على قطاع غزة، عن هدفها الأساسي بإعادة بناء الوحدة الوطنية ومغادرة جميع المسارات التي مسّت بهذه الوحدة وبالهوية الوطنية الجامعة لشعبنا. ولعلّ الرسالة الأهم التي حملتها تلك الإرادة تجاوزت الرد على العدوان الاسرائيلي، لتشمل أيضًا رسالة واضحة لطرفيّ الانقسام، بأنه لا يمكن النجاح في مواجهة الحرب الاسرائيلية على القطاع وكذلك في مواجهة إرهاب المستوطنين والعدوان المتواصل لتهويد القدس ونهب الأرض وتوسيع الاستيطان في باقي أرجاء الضفة الغربية دون وضع الانقسام جانبًا، وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تضع حدًا لتداعيات هذا الانقسام، وفي مقدمتها مراجعة وإلغاء كافة الإجراءات التي انتهكت حقوق الناس في القطاع والضفة على حدٍ سواء، والتي شكّلت بالإضافة لفشل استراتيجيات طرفيّ الانقسام وإصرارهما على التمسك بها، جوهر الأزمة الوطنية وإبقائها دون أي إمكانية جديّة للمعالجة.

لابدّ من الإقرار أيضًا أن القراءة الخاطئة من قبل حركة حماس لمضمون حالة وحدة الإرادة الشعبية خلال مرحلة ما بعد إلغاء الانتخابات التي وضعت السلطة الوطنية وحركة فتح في مواجهة إرادة التغيير الواسعة التي هَيْمنت على الشارع الفلسطيني حينها، وكذلك خلال هبّة القدس والشيخ جرّاح، والحرب على غزة، وكأن تجليات هذه الإرادة كانت انحيازًا لسياسات حماس، الأمر الذي زاد من شروطها وتعنُّتها إزاء سبل إنهاء الانقسام. فالشروط التي وضعتها أظهرت أن حماس تتصرف وكأن نتائج الحرب قد شكّلت انتصارًا لها على خصومها، وليس صمودًا وطنيًا وانتصارًا شعبيًا ضد الاحتلال الإسرائيلي. فذلك كله ساهم في تفريغ نتائج هذا الصمود والشعور بالنصر من ناحية، وأضاف تعقيدات جديدة لمسار وإمكانية استعادة الوحدة من ناحية ثانية.

ويظلّ السؤال الجوهري الذي سيتعاظم خلال الأيام القادمة هو هل التعديل الوزاري المتوقع القيام به هو بمثابة طيّ لصفحة استعادة الوحدة، والاستسلام لحالة الانقسام وربما تكريسها لواقع انفصالي هو الأخطر على مستقبل القضية الوطنية. فالأزمة الوطنية شاملة وليست مجرد ثغرة هنا أو هناك في مسار العمل الحكومي رغم فداحة الخلل جراء تدهور هذا الأداء سيما ما يولده من شعور عميق بغياب العدالة،واتساع نسبة الانطباعات عن وجود فساد في سياسات وأداء المؤسسات الحكومية، والذي بجوهره يشكل انعكاساً لأزمة المسار الوطني برمتها، ولغياب المؤسسات الوطنية الجامعة، سيما البرلمانية منها، وإصرار طرفي الانقسام على استمرار التمسك باستراتيجيات العمل المتناقضة التي أوصلت الشعب الفلسطيني وقضيته إلى ما وصلت إليه من ضعف وتراجع أمام تمدّد المشروع الاستيطاني التهويدي.

دون القيام بمراجعة شاملة لجوهر وجذور الأزمة الوطنية، والتوافق على ضرورة والإقرار بأهمية قبول التعددية السياسية والفكرية ، وأن مدخل التغيير الاستراتيجي لمعالجة هذه الأزمة يتمثل في فتح أبواب المشاركة في عملية صنع القرار الوطني داخل منظمة التحرير الفلسطينية أمام الجميع ودون استثناء، وبما يمكّن من إعادة بناء مؤسساتها، ويُصوّب آليات اتخاذها للقرارات بعيدًا عن الانفراد والهيمنة والمحاصصة، والعمل الجادّ لاستعادة طابعها الائتلافي والديمقراطي كجبهة وطنية عريضة تُعزّز مكانتها التمثيلية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده، وما يتطلبه ذلك من مغادرة لكل أسباب التدهور الذي عاشته، بما في ذلك ووقف الاندفاع وراء سراب المفاوضات، ما لم تعلن اسرائيل مسبقًا اعترافها بحقوق شعبنا الوطنية، وليس استمرار عبثية التفاوض حول فيما إذا كان لشعبنا حقوقًا وطنيةأم لا، كما فعلت اسرائيل طوال الحقبة الماضية بهدف تفتيت عناصر القضية الفلسطينية وتمزيق حقوق شعبنا الثابتة، هذا بالإضافة إلى أهمية التوافق على إنشاء حكومة وحدة وطنية انتقالية تعالج جميع الملفات والأزمات الناجمة عن حالة الانقسام، وتكرّس جهدها لتعزيز الصمود الوطني في مواجهة سياسات الاحتلال العنصرية والتوسعية، وتجتهد في ترميم العلاقة مع الناس بما في ذلك إطلاق حرية التعبير والعمل السياسي وإلغاء جميع الاجراءات و الممارسات التي تتعارض مع هذا الأمر، تمهيدًا لإجراء الانتخابات الشاملة.
دون ذلك ستظلّ الأزمة الوطنية ملتهبة وتراوح مكانها، بل وقد تندفع الحالة الوطنية نحو مزيد من التدهور والتآكل!