فجأة أعلنت مصر إغلاق معبر رفح لأجل غير مسمّى، مساء أول من أمس، دون أن توضح الأسباب، أي دون أن يكون ذلك مرتبطا بمناسبة وطنية أو دينية تقابل بعطلة رسمية في المؤسسات المصرية، أو لسبب أمني متعلق بمكافحة الأمن المصري للإرهاب في سيناء، لكن الإغلاق المفاجئ للمعبر بعد أن استمر فتحه بشكل طبيعي ومتواصل ولمدة خمسة أيام في الأسبوع، منذ أكثر من ستة أشهر مضت، وبالتحديد منذ التاسع من شباط الماضي حين استقبلت مصر وفود الفصائل الفلسطينية للبحث في ترتيبات تنظيم الانتخابات التي لم تتم، هو ما يثير التساؤل حول دافع الدولة المصرية لقرار الإغلاق هذا.
في ذلك اليوم، قبل ستة أشهر، أعلنت السلطات المصرية فتح معبر رفح إلى أجل غير مسمّى، واليوم تعلن إغلاقه لأجل غير مسمّى، بما يعني أن الإغلاق قد يعود إلى ما كان عليه قبل ستة أشهر، أي لا يفتح إلا بالمناسبات، وهذه المناسبات بالمناسبة، عادة ما تكون رعاية مصر لجولة من الحوار الفلسطيني الداخلي الذي ما زالت فصوله المملة متواصلة، ورغم أن كلا من الجانب المصري وحماس لم يعلنا عن السبب الذي يمكن تخمينه على أي حال، إلا أن بعض المراقبين أشاروا إلى أن الأمر مرتبط تماما بما حدث على السياج الحدودي مساء السبت، حيث دفعت حماس مجددا بالمواطنين ليتظاهروا قرب السياح الحدودي مع إسرائيل، ما أسفر عن إصابة 41 فلسطينيا وجندي إسرائيلي بحالة حرجة، ما اعتبر تصعيدا، أدى لاتخاذ السلطات المصرية الخطوة المشار إليها كتعبير عن احتجاجها على حماس.
قناة «العربية» أشارت إلى أن مصر قررت إغلاق المعبر احتجاجا على تصرفات حركة حماس، كذلك قالت قناة ريشت كان الإسرائيلية إن مصر غاضبة من حماس بعد أن فشلت في إحلال الهدوء على الحدود يوم السبت الماضي.
والحقيقة أن التصعيد الذي أحدثته حماس، بعد أسبوع من إطلاق البالونات الحارقة، جاء بعد التعثر المتواصل في إيجاد طريقة لإدخال الأموال القطرية لقطاع غزة، وذلك منذ تشكيل حكومة نفتالي بينيت الإسرائيلية، أي منذ نحو ثلاثة أشهر، والتي أرادت عبر عدم السير على طريق الحكومة السابقة في نقل تلك الأموال، التلويح لحماس بأن عهد الدلال الذي ارتبط ببنيامين نتنياهو قد ولى، لكن حماس لم تتوصل مع الحكومة الجديدة لحل، رغم أن المقترحات تباينت بين أن تنقل الأموال عبر السلطة أو الأمم المتحدة، لضمان وصولها للفقراء، دون أن يتمكن قادة حماس، خاصة العسكريين منهم من السطو على بعضها أو التحكم بتوزيعها على من يريدون من الناس.
أي أن حماس ما زالت تدير سياساتها ارتباطا بما تحصل عليه قيادتها من أموال المواطنين، إن كانت تلك التي تصل للقطاع كمنح أو كهبات، أو تلك التي يقومون بجبايتها من جيوب المواطنين المثقلين بالفقر، تماما كما فوتت أكثر من مرة، عملية الإعمار، وآخرها منذ ثلاثة أشهر، أي منذ الحرب الأخيرة في أيار الماضي، والتي تضمنت بشكل مباشر وفوري تبرع مصر وقطر، كل منهما بنصف مليار دولار لإعمار ما خلفته الحرب على قطاع غزة.
هذا يعني أن الأمر ليس جديدا على حماس، لكن ما هو جديد، وربما أثار حفيظة مصر الصبورة جدا على الأطراف الفلسطينية وفي مقدمتها حماس، هو الظرف أو التوقيت الذي يحيط بهذا التصعيد، حيث تم الإعلان عن أن نفتالي بينيت سيتوجه للولايات المتحدة آخر هذا الأسبوع، وسيطير للقاهرة عشية تلك الزيارة، بما يؤكد دور مصر في المرحلة القادمة، حين تنطلق العملية السياسية المتعلقة بالصراع الفلسطيني/الإسرائيلي بكل مكوناته وبنوده، بما فيها حصار غزة، وهنا تتعاكس مصلحة مصر التي رعت منذ ما بعد إعلان المبادئ في أوسلو مباشرة المباحثات الفلسطينية/الإسرائيلية بما أدى لتوقيع البروتوكولات التنفيذية لذلك الإعلان، والتي توجت باتفاق القاهرة، الذي سمي غزة - أريحا، ومصلحة حماس، التي تدرك أنها لن تكون طرفا في أي مفاوضات لاحقة، بعد تعثر إنهاء الانقسام، بما في ذلك ملف حصار غزة.
الغريب أن مصلحة حماس هذه، تتوافق مع عدم استعداد الحكومة الإسرائيلية للتقدم في المسار التفاوضي، حيث تريد أن يتركز الحوار بين جو بايدن وبينيت على الملف الإيراني، ودفع ملف التفاوض مع الجانب الفلسطيني للوراء، وقد كان عراب الحكومة الإسرائيلية وزير الخارجية يائير لابيد واضحا حين قال قبل أيام إن التوصل لحل مع الجانب الفلسطيني غير ممكن في عهد حكومة بينيت رغم الاهتمام الأميركي والبريطاني وحتى الألماني والروسي.
ربما لهذا السبب، ورغم دراماتيكية الإصابة الحرجة للجندي الإسرائيلي، سارع مراسل الشؤون العسكرية في قناة كان 11 الإسرائيلية إلى القول إنه رغم أن الحادثة صعبة لكنها لن تؤدي إلى التصعيد!
أخطر ما في الأمر بالنسبة للفلسطينيين هو أنه في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل للتركيز على صراعها مع إيران والذي يدور في عدة جبهات منها الجبهتان السورية واللبنانية، تسعى إيران وحزب الله بالتحديد إلى الدفع بجبهة غزة، ليس فقط لتشتيت القدرة الإسرائيلية وحسب، ولكن لعلمهم بأن جبهة غزة وصراع إسرائيل مع الفلسطينيين في القدس والضفة، يحوز على التعاطف الدولي بما فيه الشعبي الأميركي، في حين أن الصدام العسكري مع حزب الله ومع إيران وحتى مع سورية لا يتمتع بمثل ذلك التعاطف، أي أن إدخال غزة، خاصة بعد مشاركة كل من إسماعيل هنية وزياد النخالة في حفل تنصيب إبراهيم رئيسي في طهران، على معادلة الصراع بين الطرفين: الإسرائيلي والإيراني وحلفائه في المنطقة، يضعها كبيدق في لعبة إيران الإقليمية.
وهذا يؤكد أن ما يقال عن دعم محور المقاومة للشعب الفلسطيني ليس بلا مقابل، غير صحيح هذا أولاً، وثانياً أن سلوك حماس يعطل المصلحة الفلسطينية في إطلاق العملية السياسية ضد الرغبة الإسرائيلية، كذلك يضع غزة بشكل متواصل تحت احتمال تجدد الحرب، فإن لم يكن قبل زيارة بينيت لواشنطن، فربما بعدها، خاصة إذا عاد دون أن يتعهد للرئيس الأميركي بدخول المسار التفاوضي، الذي قد يجري التمهيد له في القاهرة قبل واشنطن.