بعيداً عن صخب ما يجري على حدود قطاع غزة مع غلافه الاحتلالي وتداعياته المتواصلة، يمكن التمعّن ولو قليلاً في الوضع الحكومي الإسرائيلي، فقد نجحت حكومة بينيت في تجاوز فخ الميزانية عندما أقرتها، ما يتطلب إقرارها من الكنيست بعد شهرين، المؤشرات تفيد بأن هذا الإقرار لن يشكل مشكلة كبيرة للحكومة، من خلال هذه الفترة حيث أنّ الكنيست في إجازته الصيفية ستواصل حكومة بينيت مهامها من دون الخشية من كمائن نتنياهو الهادفة لإسقاطها من خلال مشاريع طرح الثقة للحكومة في الكنيست، إلاّ أنّ الخطر ما زال قائماً من زاوية أخرى، فقد استعاض نتنياهو في صراعه مع حكومة بينيت للانتقال من ميدان الكنيست إلى ميدان الحكومة نفسها، وذلك عندما دعا وزير الحرب غانتس عن استعداده لكي يتولى رئاسة الحكومة منفرداً دون التناوب مع نتنياهو فوراً وبعد اسقاطها في أول انعقاد للكنيست. ويبدو أن النقطة الزمنية السياسية كي يتولى غانتس رئاسة الحكومة في حال إسقاط حكومة بينيت قد تزامنت مع النقطة الزمنية الأمنية، وفي هذا السياق تتسرب من داخل نقاشات الحكومة والحوارات بين بينيت ووزير حربه حول كيفية التعامل مع قطاع غزة، أنّ غانتس بات أكثر تطرفاً إزاء شروطه للتفاهم مع حركة حماس، سواءً لجهة تثبيت وقف إطلاق النار أو التوصل إلى تهدئة، والأهم مسألة إعادة إعمار قطاع غزة دون إدخال جوهر الخلافات المتعلقة بالمنحة القطرية، وذلك عندما وضع شروطاً لا يمكن القبول بها من قبل حركة حماس، عندما ربط إعادة إعمار القطاع بصفقة لتحرير جثامين وأسرى إسرائيليين لدى الحركة، كما يقال على نطاق واسع إنّ غانتس ما زال مصراً على الثأر من قطاع غزة بعد فشله المتواتر عندما قام بعدة حروب وحملات على القطاع بينما كان رئيساً للأركان.
العامل الوحيد الذي من شأنه أن يجعل غانتس أكثر تردداً إزاء عرض نتنياهو يتمثل في أن فترة إجازة الكنيست ستشهد تحركاً سياسياً واسعاً، يتمثل في زيارة بينيت لكل من واشنطن والقاهرة والحديث مجدداً عن عملية سياسية محتملة، ربما تدعمها واشنطن بعد إقرار الميزانية الإسرائيلية من قبل الكنيست، وبانتظار نتائج هاتين الزيارتين فإن حكومة بينيت تفضل عدم المخاطرة بتصعيد جديد قد يؤدي إلى حربٍ خامسة تعيد قلب الأوراق، خاصة وأن ليس هناك احتمال لانتصار إسرائيلي حاسم نتيجة لمثل هذه الحرب.
ومنذ إطلاق الصاروخ الذي لم ترد عليه إسرائيل قبل أيام، فإن المبادرة ظلت في يد حركة حماس التي تدرك أن إسرائيل ليست في وارد الإقدام على تصعيد يتدحرج إلى حربٍ واسعة، وكونها تدرك أن الإبقاء على الوضع الراهن واستقراره دون التقدم على كل الملفات العالقة يضعها في مأزق داخلي خطير يثير الشكوك حول إنجازات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، ومن الحيلولة دون نجاح إسرائيل في الالتفاف على نتائج تلك الحرب.
وبين ما أقدمت عليه حكومة بينيت مؤخراً من زيادة حجم ما تسميه تسهيلات لقطاع غزة، وبين حدة الصدامات والأنشطة العنيفة على تخوم القطاع، وخلافاً لتوقعات الداخل الإسرائيلي، فإن بينيت المتأهب للقاء بايدن ومن ثم الرئيس السيسي يهدف إلى إرسال رسالة مفادها أن هناك إمكانية للسيطرة على الوضع مع قطاع غزة في سياق تسهيلات مقابل تهدئة، بينما حركة حماس ومن خلال الأنشطة العنيفة، لا تهدف فقط إلى طرح الملفات العالقة على جدول الأعمال، ولكن للتذكير بأنها الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه سواءً لجهة التهدئة أو لجهة التسوية السياسيّة.