افضل ما فعله الجيش الافغاني، الذي جهزته امريكا وانفقت عليه المليارات .. انه حين شعر بانسحاب امريكي وشيك، قرر وبصورة عفوية ان لا يقاتل، المفاجئ في الامر ان امريكا فوجئت، مع انها تتباهى بقدراتها الاستخبارية المتفوقة. سذاجة منها ان ارجعت الفشل المدوي لسياستها الافغانية الى الجيش الذي لم يقاتل! والى النظام الذي لم يصمد والى الشعب الذي لا يريد التقدم والديموقراطية والحكم الرشيد.
الشعب الامريكي ركز انتقاده على الكيفية التي تم بها الانسحاب ، اما تأييده للمبدأ فلم يتغير، تحت اغراء جملة قيلت حيال اي تدخل امريكي مكلف في اي مكان، “نريد عودة الابناء الى الوطن”..
امريكا التي هزمت في امكنة عديدة ، وفشلت مشاريعها الخارجية تتميز بقدرة هائلة على تحمل الهزائم واحتواء آثارها ، بل وانتاج افلام ومسلسلات عنها ، وحيثما تفشل في مكان تلاقي نجاحا في مكان آخر وحيثما تنفق على مشروع فاشل تجد التعويض من جيوب الاخرين وهكذا.
كل كارهي امريكا احتفلوا بخروجها الذليل من افغانستان، دون ان يحتفلوا بعودة طالبان للحكم ، الامر فيه شماتة اكثر مما فيه قراءة موضوعية لما حدث.
في اسرائيل حزنوا وسعدوا في ذات الوقت حزنوا على مرمغة الحليف الاستراتيجي في الوحل، وسعدوا لأن الخروج من افغانستان سيرفع منسوب اعتماد الدولة العظمى عليهم في الشرق الاوسط، ذلك ان الجيش الافغاني “المفتعل” يختلف كثيرا عن الجيش الاسرائيلي الذي يجسد امتدادا للجيش الامريكي عضويا وتسليحيا وخبرة.
وفي فلسطين
… حيث الشماتة الشعبية بالاذلال الامريكي اختطلت بالحفاوة الحمساوية بعودة طالبان.. ما اضاف عامل انقسام اضافي في الرأي العام الفلسطيني حول ما حدث في تلك الدولة الاسيوية النائية.
الفلسطينيون الذين شمتوا بالمشهد الذليل الذي تجسد في مطار كابول، شعروا تلقائيا بما شعروا به حين اطيح بعدوهم اللدود دونالد ترمب، فسُجلت الشماتة الجارفة بنهايته لمصلحة رهان على من اطاح به، فكانت الشماتة في محلها، اما الرهان على من اطاح به فلم يكن كذلك.
وهنا لنبتعد قليلا عن ظلال افغانستان، لننظر للامور تحت ضوء شمس الحقيقة الساطع الذي لقوته يكاد يعمي البصر..
وقعنا كفلسطينيين بحكم غزارة العاطفة التي تؤثر على تحليلنا ومواقفنا، تحت طائلة معادلة مؤذية قطباها ريئسان امريكيان الاول دونالد ترمب المبالغ في عدائه للفلسطينيين، والثاني جو بايدن المبالغ في ادارة الظهر لمصالحهم الحقيقية، مكتفيا ببعض المبادرات المظهرية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.. وتتفاقم المشكلة وتتعاظم المصيبة ، حين يتواصل رهان الطبقة السياسية الفلسطينية وبوجه خاص الرسمي منها على ما يصفونه عادة بعودة العلاقات الى مجاريها مع الادارة الامريكية .. هنالك رغبة في ان تكون الامور كذلك الا انها على العكس تماما والامريكيون على هذا الصعيد لا يخادعون ولا يضللون بل لا يكفون عن ابلاغ الفلسطينيين بحقيقة موقفهم وسياساتهم بما ملخصه…ليس لكم عندنا الا تحسين شروط معيشتكم ذلك برجاء الاسرائيليين ، ولا يضر لو انتظرتم بعض الوقت الى حين فتح القنصلية في القدس والممثلية في واشنطن.
بعد افغانستان يكون بينيت اول الواصلين الى واشنطن، ولا يصعب على اي مراقب معرفة جدول اعمال المحادثات بين زعيم اسرائيلي يفضله الامريكيون على سلفه نتنياهو … سيلقى حفاوة مميزة ، اليس هو وزميله لبيد من خلصوهم من صداع نتنياهو بأقل قدر من تدخلهم المباشر. واليس بينيت هو من سيسعد بالترضية التي سيحصل عليها فيما يخص الملف الايراني وسيحصل بالتأكيد على كل ما يطلب بشأن الملف الفلسطيني اذ لا يريد أكثر من تأكيد امريكي متجدد بأن الفلسطينيين ليسوا على الاجندة السياسية مع شفاعة لهم ببعض التسهيلات..
ما حدث في افغانستان منح الامريكيين حجة اضافية للتباطؤ وحتى الاستنكاف عن العمل على تسوية شرق اوسطية تاركا الامر للقوى الاقليمية لعلها تفعل ذلك، كما انه منح الاسرائيليين حجة اضافية لطلب المزيد من الدعم الامريكي الاستراتيجي ، اما الفلسطينيون والعرب فقدرهم ان يدفعوا ثمن اي تغيير دولي مهما كان واينما وقع.