على نفس مسار معظم من سبقوه في نفس موقع رئاسة الحكومة تأتي زيارة رئيس حكومة دولة الاحتلال (بينيت) إلى واشنطن واللقاء مع رئيسها.
إنها زيارة التعارف من موقع المسؤولية، وتأكيد العلاقة الخاصة والمميزة. إنها نوع من أخذ البركة وطلب الرضا بالمنطق الديني، مع بداية تسلم المسؤولية.
في حدود هذا الفهم للزيارة، وقبل لقاء القمة مع الرئيس أكدت أميركا ممثلة بوزيرين من وزرائها لرئيس الوزراء الزائر التزامها الأساسي والتاريخي تجاه دولة الاحتلال:
وزير الخارجية الأميركي: «أكد التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل». ووزير الدفاع أكد: «الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل وأمن الشرق الأوسط من خلال العلاقات العسكرية».
بعد ذلك، فإن لقاء بينيت مع الرئيس الأميركي لن يأخذ شكل الاستثنائي النوعي، وليس من المتوقع ان تخرج عنه مواقف نوعية، استثنائية او غير عادية. فأولا، الرئيس الأميركي الحالي هو بايدن وليس ترامب. وقد مضى عهد ترامب صاحب اليد المبسوطة على آخرها استجابة لكل طلبات دولة الاحتلال ورئيس وزرائها في عهده (نتنياهو)، وعلى حساب وحقوق أي جهة كانت تلك المطالب.
بل، لقد مضى العهد الذي كان فيه الرئيس ترامب يسبق طلب دولة الاحتلال ورئيس وزرائها بل يفكر فيه ويبادر إليه قبل أن يطلب منه. الرئيس الأميركي الحالي لديه خارج الالتزامات الأميركية التاريخية تجاه دولة الاحتلال كما اكدها وزيراه لرئيس الوزراء الإسرائيلي، التزامات أخرى خصوصا وأن بعضها على درجة عالية من الإشكالية وعلى درجة عميقة من الاختلاف حولها في أوساط مكونات المجتمع الأميركي ومؤسسات حكمه الرئيسة. ويكفي كمثل للتدليل على ذلك، الإشارة إلى الوضع الراهن الذي تعيشه كل الولايات المتحدة بوزاراتها وجيشها ومؤسساتها ومجتمعها ورئاستها أيضا، وهو الوضع المتمثل في عنوان التغيير الذي حصل في أفغانستان. والتزام الانسحاب الأميركي المدني والعسكري التام منها بنهاية آب الحالي. وما يواجه تنفيذ ذلك الالتزام من صعوبات معقدة وصلت حد فقدان حياة أميركيين عسكريين ومدنيين. وهذا الوضع والمثل المذكور هما ما فرضا على الرئيس الأميركي تأجيل اجتماعه مع بينيت نفسه من الخميس إلى الجمعة.
هذا الوضع في أفغانستان وغيره هو ما يعزز ويقوي تمسك الولايات المتحدة بطريقة علاجها لخلافها الإشكالي العميق والخطير بمنظورها مع إيران، ومعالجته بالأسلوب الحالي (الالتزام باتفاق فيينا النووي وتنفيذه بشكل صحيح ودقيق كما تطالب). وبما يعنيه ذلك من عدم استجابة الرئيس الأميركي للمطلب والهدف الأول والاهم في زيارة «بينيت» والبند الأهم على جدول زيارته. وهو إقناع الولايات المتحدة وتحقيق موافقتها على التعامل، في خلافها الموصوف، مع الدولة الإيرانية بمنهج تقترحه دولة الاحتلال يقوم على تعالي وتيرة التهديد، وصولا إلى استعمال العنف مع إيران ببعض أشكاله او درجاته. على أن يحفظ هذا المنهج في التعامل دورا لمشاركة دولة الاحتلال، إلى جانب الولايات المتحدة بخبراتها ووسائلها.
أما الهدف الثاني في ترتيبه للزيارة، وحسب القناة السابعة، فهو ان يقوم بينيت بإبلاغ الرئيس الأميركي: - ان دولة الاحتلال لن تجمد البناء الاستيطاني في الضفة الغربية. - وان استئناف المفاوضات مع أبو مازن ليس على جدول الأعمال. - إضافة إلى ان السيادة الإسرائيلية وضم الضفة الغربية لن يطبق في الوقت الحالي.
ومثل هذه الأمور كما ترد في هذا الهدف الثاني، ليست في الأصل من الأولويات على جدول أعمال الرئيس الأميركي بشكل عام وأنها بحكم الأمر الواقع على الأقل مؤجلة، فما بالك وأنها تأتي في الوقت والظرف الموصوفين.
في كل الأحوال، تبقى الزيارة ضرورة تفرضها طبيعة وأولوية وأساسية وتاريخية وخصوصية العلاقة بين دولة الاحتلال والولايات المتحدة، وضرورية لاستمراريتها وديمومتها. وتبقى أيضا من الضرورات التي يتطلبها الوضع الداخلي في دولة الاحتلال ويتطلبه استقرار مؤسسات الحكم فيها. وبشكل خاص استقرار الحكومة القائمة حاليا على هشاشتها وضعف تماسكها وثباتها، وضعف مقومات فرص واحتمالات استمرارها.
هل يمكن القول، ان الزيارة بشكل عام هي زيارة روتينية وعادية.