تنتهك إسرائيل يومياً حقوق الإنسان الفلسطيني، وترتكب دائماً جرائم بحق الإنسانية وجرائم حرب بحق الفلسطينيين أفراداً وجماعات وشعباً ككل، وذلك ناجم بالأساس عن احتلالها للوطن الفلسطيني، وإصرارها على الاحتفاظ بهذا الاحتلال، واهمة بأنه يمكنها أن تبقى دولة محتلة، ومن ثم تنعم بالأمن والهدوء والاستقرار، حيث أنها لا تعاني من تأنيب الضمير حتى اللحظة، ولا حتى من الحنكة والحكمة، التي لا بد أن تشير إلى أن من يعتاد على قمع الآخرين، سيتحول لاحقاً إلى قمع نفسه، وهنا أن تتحول آلة القمع الإسرائيلية إلى قمع مواطنيها أنفسهم، وهي حالياً تقمع العرب من مواطنيها في تمييز عنصري واضح.
وإذا كان المثل يقول «ليس بعد الكفر ذنب»، فإنه مع إسرائيل يتحول للقول، ليس بعد الاحتلال من قمع، فالعقاب الجماعي تمارسه إسرائيل دائماً وكل الوقت، وهذا يجعل جيشها وشرطتها كمؤسسات وأفراد يعتادون على خرق القانون، وعلى عدم التمتع بالروح والأخلاق الإنسانية، فهي تغلق كل الضفة الغربية، لتزيد من فرص قبضها على الأسرى الستة الفارين من سجونها التعسفية أصلاً، وهي تغلق الأرض الفلسطينية وتفرض وقف حال الفلسطينيين بمناسبة الأعياد اليهودية التي تخصهم، فهل هم يفعلون الشيء ذاته أيام الأعياد الفلسطينية؟
إن إسرائيل دولة لم تعرف الأمن منذ نشأتها، فحين تتوهم بأنها قد حققته مع الفلسطينيين، ينتابها القلق من العرب، وحين تعتقد بأنها قد حققته مع العرب، ترتاب وينتابها الشك من المسلمين، وهي في حالة رهاب نفسي، منذ نشأت وحتى اللحظة، وليست هناك دولة في الدنيا عقدت مثلها اتفاقيات لا تكفيها لتنام بهدوء، بدءاً من اتفاقيات الهدنة التي عقدتها مع كل دول الجوار، وليس انتهاء باتفاقيات السلام مع الأردن ومصر وفلسطين، ثم اتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وما زالت تشتكي ويقول رئيس حكومتها في حضرة سيد البيت الأبيض بأنهم جميعاً في الشرق الأوسط يسعون لتدمير دولة إسرائيل.
السؤال الذي لا يكلف نفسه لا بينيت ولا غيره من عتاة المتطرفين الإسرائيليين أن يسأله، هو إن كان ذلك صحيحاً، وليس مجرد وهم ناجم عن الرهاب النفسي، فهو: لماذا؟ لماذا يريدون في الشرق الأوسط تدمير إسرائيل، أو على الأقل لا يحبونها، ويكرهونها، والإسرائيليون يدركون أكثر من غيرهم بأن اتفاقيات السلام، ما هي إلا صفقات «بزنس»، تبقى معلقة بيد الحكام من تجار السياسة، في حين أن الشعوب لا تهتم بها، بل على العكس بأقل وصف تعتبر الاتفاقيات غير ملزمة لها، ولا تمثلها.
لماذا إسرائيل هي بنظر الشعوب العربية والفارسية والتركية وحتى الأفريقية، ومن ثم بنظر كثير من الشعوب المسلمة، وحتى لدى كثير من شعوب العالم، دولة مكروهة، هل هذا ناجم عن فراغ؟
الإجابة بسيطة للغاية، فحين يكون هناك إجماع أو أغلبية على رأي واحد بشخص ما، فعلى الشخص أن يأخذ ذلك الرأي بعين الاعتبار، فإن كانت الأغلبية ترى فيه صفة سيئة عليه أن يغيرها، وباختصار فإن شعوب الشرق الأوسط، ومعظم شعوب العالم، تعرف بأن إسرائيل دولة محتلة، ومشكلتها أنها لا تعترف بذلك، ولا تفكر حتى بإنهاء احتلالها كما فعلت الولايات المتحدة مثلا في أفغانستان، وكما تفكر في أن تفعل الشيء نفسه في العراق، وفعلت من قبل في فيتنام، وكما فعلت بريطانيا مع عشرات الدول، من الهند وباكستان، لمصر والعراق، وحتى كما فعلت فرنسا مع تونس والجزائر، فإسرائيل تصر على الاحتفاظ باحتلال فلسطين، وفي سبيل ذلك تتحول إلى دولة مارقة، تخترق القانون الدولي كل يوم، ومن ينفذ خرق القانون الدولي من جنود وأفراد شرطة، يعتادون على خرق القانون وعلى ارتكاب الجرائم، فيتحولون إلى قتلة والى مجرمين، رغم أنهم يفترض فيهم أن يكونوا حماة القانون.
لقد جربت إسرائيل كل أدوات وأساليب القمع، ولم يفلت فلسطيني واحد، لم يدخل السجن، أو يتعرض لاعتقال، أو مصادرة ارض، هذا غير من تعرض للقتل والإصابة إن كانت دائمة أو إصابة تمت معالجتها، وجربت إسرائيل الإغلاق والحصار وقطع الأرزاق، أي السجن الجماعي، ليس بحق قطاع غزة المستمر منذ خمسة عشر عاماً متواصلة، فقط، بل الإغلاقات الجزئية والكاملة، لعدة أيام ولأيام طويلة، بحق كل الفلسطينيين في القدس والضفة والقطاع، وما زال الشعب الفلسطيني يتطلع لحريته الطبيعية، جربت إسرائيل القتل والسجن والتجويع، إرهاب الدولة وتكسير العظام، حتى تحول جنودها وأفراد شرطتها إلى قتلة والى مجرمين، وهذا لم يطلق لديها جرس الإنذار بعد، وما زالت تتوهم أنه يمكنها أن تقهر الشعب الفلسطيني، الذي ليس أمامه، إلا أن يكافح من أجل إلحاق الهزيمة باحتلالها وعنصريتها، دون تردد أو مواربة، نعم، وبالفم الملآن نقول: إن الشعب الفلسطيني يسعى دون كلل أو ملل لإلحاق الهزيمة بالاحتلال الإسرائيلي وفرض الانكفاء عليها لتعيش في حدود 67، وكذلك نزع العنصرية منها.
الشيء الوحيد الذي لم تجربه إسرائيل، وننصحها بأن تجربه هو إنهاء الاحتلال، حينها ستنعم بالأمن، وستشفى من رهاب الخوف، ومن كوابيس النوم وأحلام اليقظة. وأن تتحول إلى دولة مثل كل الدول، دون تمييز، بلا احتلال وبلا عنصرية، هي الوصفة الوحيدة، التي تجعل من إسرائيل تتحرر من خوفها، وتتفرغ لتحقيق حياة أفضل لشعبها، فلا يكون هناك من داع لكل جيوش الأمن، ولكل هذه المنظومة من الأدوات والأجهزة والمؤسسات التي بدلا من توفير الخدمات لمواطنيها، تجهد نفسها بالبحث في تكبيل الفلسطينيين وكتم أنفاسهم، وتقييد حرياتهم، بل وجعل حياتهم جحيماً لا يطاق، فماذا يستفيد الإسرائيلي من حبس الفلسطيني وسجنه طوال حياته، أي دفنه حياً، بما يعنيه ذلك من زرع الحقد لدى إخوته وأمه وأبيه وأبنائه وأقاربه؟
لا تستفيد إسرائيل شيئاً، لكن نخبة سياسية تصل للحكم عبر هذا، ومستوطنين بدلاً من أن يعملوا ويكدوا ويعرقوا، يجدون في السطو على أملاك الفلسطينيين طريقاً مختصرة للتملك ورغد العيش على حساب غيرهم، كل ذلك يعني بأنه إذا كانت أرض الفلسطينيين محتلة فإن إسرائيل محتلة بالوهم، وأن السجان ليس أفضل حالاً من السجين، فإذا كان السجين يجاهد ليتحرر فإن السجان يظل يقاتل ليبقى سجاناً.