هذا إن آمنا فعلاً بإنجاز التغيير المنشود، والذي هو عملية إبداعية لها صفة الديمومة والتراكم المعرفي التربوي.
هناك دوماً روافع وعقبات؛ لذلك، لنتحدث عن الجانب الإيجابي، ولنلتقط أمراً مهماً، وهو أنه هنا، وفي بلادنا اتجاه نحو التغيير والتطوير.
التغيير، يعني الإيمان به، والتفكير بإحداثه، والبحث عن سبل تنفيذه. لذلك نتوقع من إدارة التغيير أن تكون من جنس ما تفكّر به: التغيير.
حتى تنجز الإدارة التربوية دورها في التغيير، تكون بحاجة لإحداث هذا التغيير داخلها، أي أن تنفعل بالتغيير.
يكثر الحديث في مجتمعاتنا العربية حول مجالات المجتمع، ونظم الحكم والإدارة، ويتركز الحديث على المؤسسات التربوية، في المدارس والجامعات، أي في التعليم العام والعالي. ولعل المتحدثين يكثرون اللوم والعتب على المؤسسة التربوية، بل يحملونها المسؤولية، غير ملتفتين بما يكفي لإشراك مؤسسات الدولة والمجتمع في تحمّل تلك المسؤولية، أكان ذلك في المناهج أو نظم الاختبارات. (وسنخصص مقالاً عن نظام الاختبارات المقترح من قبل الوزير مروان عورتاني).
فلسطين ليست استثناء، ولكن بنظرة موضوعية، سنجد أن هناك اتجاهات داعمة ليس فقط لتطوير العمل التربوي، بل للتغيير التربوي. وهذا ما نأمل تفعيله وتطويره ودعمه من الحكومة ومن المجتمع، بل والمحاسبة عليه ومساءلته.
إن التغيير يتطلب إرادة وإدارة، وأن التكامل بين هذين المحورين ركيزة رئيسة من ركائز العمل المدروس والهادف لإحداث التغيير. كلام جميل ننطق به، أما الأكثر جمالا فهو بدء الرحلة المنشودة.
من المفيد واللازم دوماً التأسيس الفكري لأي أعمال وخطط تربوية، حيث تشكّل المرجعية الفكرية ضمانة أساسية في الاتقاء بالفكرة التربوية قبل وخلال العمل. وهذا ما نشعر به، وإن كان من المهم أن يتم ذلك من خلال تفاعل منظومة الإدارة التربوية، من رأس الهرم، وصولاً لإدارة المعلم للغرفة الصفية، بل لإدارة الطالب أيضاً لتفاعله في الغرفة وخارجها وحياته؛ فموضوع إدارة التغيير يكتسب دلالات خاصة في ظل التطورات المتسارعة في العالم، والتي تم اختبارها وتعميقها خلال "جائحة كورونا"، فالتعلم هنا وجاهياً وافتراضياً، متكامل، بمعنى أن تفعيل الدرس الوجاهي، وتعميق قوة الإصغاء، سيجعل التعليم عن بعد إبداعياً أكثر.
يأتي التغيير في ضوء التطورات المتسارعة، في لبّ التفكير التربوي العميق؛ لربط الطلبة بالمجتمع باتجاه تحفيزهم إيجابياً للاهتمام به والانتماء إليه، واكتساب المهارات والمعارف اللازمة لهذا العصر من جهة، ومن جهة أخرى لمعالجة سلوكيات اللامبالاة والأنانية والاغتراب التي تحدث معهم في ظل التغيرات السياسية داخل المجتمع الواحد، وفي ظل التغيرات العامة داخل نظام العولمة الذي ينتقص من سيادة الدول والشعوب ويلحقها بالمراكز العالمية الكبرى.
أي تغيير يتطلب إرادة وإدارة أو لنقل "إرادة الإدارة"، أي اختيار البنية الإدارية للعمل التربوي، و"إدارة الإرادة"؛ ذلك أن الفكرة والهدف يحتاجان لإجراءات تنفيذية، وإلا لبقي الفكر فكراً والهدف هدفاً، أي نحن بحاجة للتخطي المبني على وجود استراتيجية تعبّر عن اتجاه التطوير والتغيير التربويين. ولعل المحاور التي تم التأكيد عيها مراراً هي محاور طموحة، ينبغي التأكيد عليها ودعمها والتفكير النقدي والتربوي فيها.
التغيير!
أي قيمة أكبر من هذه القيمة! إنها القيمة التي تشعرنا بالحياة الآن، وبأننا سنكون غداً.
والتغيير التربوي إنما يتأسس على التغيير الاجتماعي والسياسي، والمراقب لمجتمعنا الفلسطيني، يرى أن هناك تغييرا اجتماعيا، وأننا نعيش التحول الاجتماعي الإيجابي، باتجاه دمقرطة المجتمع والحياة الاجتماعية، وتزايد حساسية الحكومات المتعاقبة والمجتمع، وإن شاب العمل ثغرات هنا أو هناك، لكن موضوعيا يشهد مجتمعنا من سنوات تغييرات ينبغي تشجيعها، لا التقوقع فقط في مناهضة سلوك شخصي هنا أو هناك. أما القادم فسيكون، إن تضامنا معاً، أكثر تطوراً.
المضمون يخلق شكله، ليس في الفن والأدب والصناعات، بل في التغيير، أي إننا نرى أن المضمون الفكري-الاجتماعي-التربوي، إنما يتحقق من خلال الوسائل والأساليب، وهي في الحالة التربوية تعني تطوير المنهاج وتعميق الجوانب الإيجابية في التعلم فيه، وتشجيع المعلمين، وتدريبهم، ومناقشتهم في النهوض بالأساليب التعلمية باتجاه منح فرصة للطلبة كي يفكروا، ويتشاركوا التفكير. أي أن يتحقق التفكير النقدي في غرف الصفوف. وحتى نضمن ذلك، لعل الإدارة التربوية تفعل ذلك وتكون قدوة. وأظن أن هنا الآن فرصة لذلك نرجو أن تستمر، وأن تتمأسس.
وأظن أن القيادة التربوية مدركة لكل هذه الأبعاد الخارجية لمجتمع المدرسة، غير منقطعة عما يدور حولها من بنى سياسية واجتماعية وإعلامية وثقافية وتكنولوجية. وهناك اختيار فعلا للتفكير بالتغيير لتحقيق مبرر وجود هذه القيادة. لا بد من استحقاق ينبغي تقديمه، والمساءلة عليه.
مدير المدرسة قائد/ة تربوي، لذلك إننا نحتاج إلى إدارة مدرسية مميزة، فلا يمكن أن تنجح بدون تلك الإدارة، فإذا امتلك المدير الرؤيا والقدرة على تحديد الموقع والاتجاه والهدف، وصاغ ذلك على شكل رسالة تربوية، وقام بعرضها على الهيئة التدريسية، وعمل على إقناع المعلمين بها عن طريق مشاركتهم بها كي يصبح تبنيهم لها أصيلاً ينبع من دواخلهم، فإن مهمة أخرى تصبح أمام طاقم المدرسة وهي التفكير في المخرجات التربوية، أي في الخريجين/ات أنفسهم.
إنسانيا، حين يقترب المدير/ة من زملائه المعلمين، تزداد العلاقة المهنية والإنسانية، ما يكون لذلك من أثر إيجابي على علاقة الهيئة التدريسية مع الطلبة، وبالتالي ستتحسن رؤية الطلبة تجاه المدرسة، وممتلكاتها ونظمها ومجتمعها، والأمل أن ينتقل هذا الشعور الإيجابي إلى علاقتهم بالمجتمع أي ليكونا مواطنين صالحين. كذلك الحال فيما نشهده من ندية جميلة في النقاشات داخل الوزارة.
من هنا يصبح للتربية على التغيير قيمة، فلا تغيير سيحدث إن لم تبادر القيادات التربوية جميعها إلى ذلك، مسنودة من باقي القيادات الفكرية والسياسية والمجتمعية.
وهذا يعيدنا إلى العنوان ثانية!
إدارة التغيير التربوي، تعني ما عليه من واجب تغير نفسها والآخرين معاً.
ومفتاح التغيير هو الفكر برحابته، لا بضيقه، لذلك أجدني أحتفل بالفكر التربوي بشكل كبير، كونه أيضاً مؤسساً للفكر الاجتماعي والسياسي. وأظن أننا اليوم لدينا هذه الفرصة، في ظل الطموحات التي تظهر في أدبيات وزارة التربية.
صحيح أن الفكر التربوي هو من جهة نتيجة لما يدور في المجتمع من أفكار واتجاهات ونظم وقوانين، إلا أنه أيضا هو الموجه والمكّون للأفراد المتعلمين باعتبارهم مواطنين وقادة مستقبليين.
لذلك، فإن التفكير بالتغيير التربوي أمر استراتيجي لمن يسعى للتغير في المجتمع ونظم الحكم من ناحية، وهو بحث عما يجب تغييره ليتلاءم مع الاتجاهات الحديثة والمتطورة في نظم الحكم والقوانين المعاصرة والدساتير الجديدة الطامحة لإنسان/ة المستقبل.
ما يحدث في غرفة الصف أمر مهمّ جدا، فإذا تم الاهتمام الفكري والإنساني به، لربما نحدث اختراقاً إيجابياً في المجتمع. تلك رسالة المعلم والإدارة التربوية، وتلك هي إرادة التغيير التربوي وليس فقط إدارة هذا التغيير.
وأخيرا، نعمق بما عنونّا به مقالنا، دعوا التغيير التربوي يمضي بهدوء من خلال زيادة الروافع، وتخفيف العقبات.