"فرق تسد"، في السياسة وعلم الاجتماع تكتسب القوة وتحافظ عليها من خلال تفتيت تركيزات أكبر للسلطة إلى أجزاء تتمتع بشكل فردي بسلطة أقل من تلك التي تنفذ الاستراتيجية. ويهدف استخدام هذه التقنية إلى تمكين صاحب السيادة من التحكم في الموضوعات أو المجموعات السكانية أو الفصائل ذات الاهتمامات المختلفة، والتي قد تكون مجتمعة قادرة على معارضة حكمه. يحدد مكيافيلي تطبيقًا مشابهًا للاستراتيجية العسكرية، حيث ينصح في كتابه "فن الحرب" بأن يسعى القائد مع كل خطوة لتقسيم قوات العدو. ينصح مكيافيلي بتحقيق هذا الفعل إما بجعله يشك في رجاله الذين يثق بهم، أو من خلال إعطائه سببًا يفصل بين قواته، وبسبب هذا، يصبح أضعف.
سياسة الاحتلال الإسرائيلي الاستعمارية انتقلت من التقسيم بكل أشكاله البشرية، الجغرافية، السياساتية وأيضاً أدواته المختلفة التي تندرج ضمن نظرية العصا والجزرة الى تفكيك ما هو مُقسم وتفتيته، ضمن الرؤيا المتمثلة في خلق أو تشجيع الانقسامات بين الشعب الفلسطيني لإضعافه وإنهاك قوته التي يمكن أن تواجه الاحتلال، وأيضاً مساعدة وتعزيز أولئك الذين هم على استعداد للتعاون مع الاحتلال، وكذلك تعزيز عدم الثقة والعداء بين القيادات، ما سيؤدي الى تشجيع النفقات التي لا معنى لها والتي تقلل من القدرة على الإنفاق السياسي والعسكري.
تاريخيًا، تم استخدام هذه الاستراتيجية بعدة طرق مختلفة من قبل الإمبراطوريات التي تسعى إلى توسيع أراضيها؛ تم استخدامه بكثافة من قبل الإمبراطورية البريطانية في الهند. في السياسة يشير المفهوم إلى استراتيجية تفكك هياكل القوة الحالية، وتمنع بشكل خاص مجموعات القوى المكونة للنظام السياسي من الارتباط، ما يتسبب في التنافس وإثارة الخلاف بين الناس لمنع الثورة ضد الاحتلال. الهدف هو إما تأليب القوى ضد نفسها لمنع الثورة، أو تقديم حل مرغوب فيه للخلاف المتزايد الذي يقوي الاحتلال.
إذا كان النجاح السياسي يقاس بالبقاء والنجاح الدبلوماسي بالوضع الراهن، فإن نتنياهو_ حتى ولو غاب قليلاً عن المشهد السياسي_ يستحق أن يتوج بلقب الاستعماري الأول في مناورات "فرق تسد" على مر العصور الكولونيالية.
فبعد أن نجحت الماكنة الاستعمارية الإسرائيلية بتفتيت القضية الفلسطينية الى عدد من القضايا التي أصبحت على شكل ملفات، نجح نتنياهو أيضاً بجعل القضية الفلسطينية مجموعة مطالب وتحسين ظروف، وخير دليل حقيبة الأموال القطرية الحمساوية والكثير من الأمثلة، وبعد ذلك انتقل لطعن مبادرة السلام العربية بصنع السلام الزائف بشكل مُفكك، بالتالي لا قيمة للنصوص المُكونة لهذه المبادرة.
وقد نجح في هذه السياسة حتى داخل مكونات النظام الاستعماري في الكيان الإسرائيلي؛ فلم تكن إسرائيل منقسمة أكثر من أي وقت مضى، ولم تكن قبضة نتنياهو الحاكمة أقوى من أي وقت كان.
أنا مقتنع بأن رئيس وزراء الاحتلال الثالث عشر نفتالي بينيت ومن هم الآن في القيادة ليس لديهم أي خطة للتعامل مع القضية الفلسطينية_وحتى مع القضايا العالمية_، لذا فإن أفضل ما سيقومون به هو السير على خطى نتنياهو من خلال سياسة "فرق تسد" لكن بطريقة لا تنفر العالم.