جرى تطور في مسار العلاقة المصرية – الإسرائيلية بوصول نفتالي بنيت إلى شرم الشيخ، ولقائه الرسمي «العلني» مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما كان صعباً وحتى مستحيلاً حدوث مثله مع بنيامين نتنياهو.
وحين يستغرق اللقاء الأول ثلاث ساعات، فهذا يعني أن جدول الأعمال كان مفتوحاً على نحو يتسع لكل المواضيع التي تهم الطرفين.
وبوسعنا تقسيم الاهتمامات إلى عاجل وعنوانه غزة، وآجل وعنوانه التسوية القائمة على حل الدولتين، إلى جانب الكثير من الأمور التي تندرج تحت بند العلاقات الثنائية.
نقاط الاتفاق في العاجل واضحة ومحددة في الإطار العام، مثل أهمية نزع الفتيل وتجنب حرب واسعة جديدة، مع أهمية إيجاد صيغة لهدوء أطول مدى، وإنجاز صفقة التبادل التي تراها إسرائيل – وقد تتراجع – مفتاحاً لكل شيء، بينما تتعامل مصر معها مثلما كانت تتعامل مع مثلها في السابق.
وكذلك هنالك اتفاق على أهمية إعادة إعمار غزة، ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل، فلا مجال للتبشير باتفاق محسوم في هذا الأمر.
أما الاختلافات التي يُنسب حلها إلى الآجل، فأهمها إصرار مصر على حتمية فتح ملف التسوية الشرق أوسطية، واستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما في ذلك تبني المطلب الفلسطيني الرئيسي في هذا الشأن، وهو الذهاب إلى مؤتمر دولي، وهذا ما لا تحبذه إسرائيل، فإن لم تستطع منعه فتستطيع إفشاله، كما حدث في أنابوليس وما يشبهها تقريباً من فعاليات دولية.
الرئيس السيسي يرغب في إنجاح العاجل وتهيئة مناخ لتوفير زخم للآجل، فالعاجل بالنسبة إلى مصر لم يعد بعد الحرب الأخيرة كما كان قبلها، ذلك أن الرئيس السيسي قام بتطوير الدور النمطي والتقليدي لمصر في الشأن الغزّي، فها هي مصر تخصص نصف مليار دولار من ماليتها غير المرتاحة أصلاً، كإسهام في إعادة الإعمار، وبذلك عززت فاعلية الدور إلى جانب ما هو متوفر في الأساس، وهو توظيف علاقاتها مع إسرائيل في إطفاء الحرائق والعمل على إطالة أمد التهدئة، إضافةً إلى خطاب مصري أكثر وضوحاً يربط الشأن الغزي بموضوع التسوية المنشودة، وإنْ دون استجابة إسرائيلية وأميركية.
الدخول المصري بهذا الزخم وبهذه الآليات والخطاب السياسي، وإن كان يحظى بتشجيع أميركي متواضع، إلا أنه لا يُرضي الإسرائيليين. وبالتالي فهم يبحثون عن طرق فعالة لتحجيم هذا الدور، وضغطه في مجال العلاقات الثنائية والحل الاقتصادي وغزة.
وفي هذا الاتجاه لم يكن بمحض الصدفة أن يطرح وزير الخارجية يائير لبيد في توقيت متزامن مع اللقاء، ما وُصف بمبادرة جديدة لحل جذري للمسألة الغزية، وأساسه الهدوء مقابل تسهيل الحياة مع استعارة لافتة لمشروع «إسرائيل كاتس» الذي لم يلقَ دعماً من نتنياهو، والذي يتضمن إقامة جزيرة صناعية للسيطرة على غزة بطريقة مبتكرة.
الرؤية المصرية لا تغلق الأبواب أمام المبادرات الإسرائيلية لتسهيل حياة أهل غزة، شريطة ألا يكون ذلك على حساب التسوية السياسية التي ينشدها الفلسطينيون، ويلتزم معهم بها المصريون والأردنيون تخصيصاً وباقي العرب عموماً.
العلاقة المصرية – الإسرائيلية ومع استقرار معاهدة السلام كانت على الدوام غير سلسة وغير فعالة في مجال التطبيع الشامل، أي إنها لم تكن يوماً علاقة عادية كأي علاقة بين دولة وأخرى، وفي كل العهود كانت الاتفاقية محيّدة عن مجرى العلاقة الشاملة بكل تفاصيلها، ذلك أن مصر تدرك مسؤولياتها كالدولة العربية الكبرى، وأساسية دورها والتزاماتها في تحديد الاتجاهات والمآلات، ومع أن هنالك مجالات عديدة تبدو فيها العلاقات المصرية – الإسرائيلية مستقرة وحتى نامية، فإن الاختلاف الجوهري يظل قائماً بل مؤثراً، ذلك أن غياب حل القضية الفلسطينية يظل عامل تهديد مباشر بما ينطوي عليه من مفاجآت، كتواصل الحروب على غزة، وتواصل الاحتقان المتنامي في الضفة، ومصر ليست منعزلة عن ذلك.